كيف تؤثر أنماط الارتباط المختلفة على علاقات الأشخاص البالغين

كيف تؤثر أنماط الارتباط المختلفة على علاقات الأشخاص البالغين

 

ما هو الارتباط؟

-يمثل “الارتباط”، أو يمكن أن نقول “الرابطة بين الأشخاص”، الاتصال العاطفي الذي يتشكل بينك كرضيع و بين الشخص الأساسي المسؤول عن تقديم الرعاية لك في فترة رضاعتك-و الذي غالباً ما يكون والدتك. وفقاً لنظرية التعلق و الارتباط، و التي هي من تأسيس الطبيب النفساني (جون بولبي) و عالمة النفس الأمريكية (ماري آينسوورث)، فإن مدى قوة و جودة هذه الرابطة التي تتكون خلال هذه الفترة من حياة الشخص غالباً ما تحدِّد مدى جودة و قوة علاقاته المقربة خلال بقية حياته.

-يكمن الأمر بمعظمه في فترة رضاعتك، فلو أشعرك الشخص المسؤول عن تقديم الرعاية لك بالأمان و الطمأنينة في تلك الفترة، و تمكَّن من فهم مشاعرك و احتياجاتك العاطفية و الجسدية المتغيرة باستمرار، فإنك تتبنى نمط ارتباط آمن و ناجح، مما ينعكس على حياتك كبالغ، و يترجَم إلى كونك معتمداً على ذاتك، واثقاً بنفسك، تمتلك القدرة على التعامل مع الخلافات و النزاعات التي قد تواجهها في علاقاتك مع الآخرين.

-على النقيض، فلو كنت قد عانيت في تلك الفترة من الخوف و القلق و الجفاف العاطفي، و لو لم ينجح الشخص المسؤول عن رعايتك في جعلك تشعر بالأمان و الاطمئنان، أو في فهم مشاعرك و تلبية احتياجاتك،فإنك تتبنى نط ارتباط غير آمن، مما ينعكس على حياتك كبالغ و يترجَم إلى عدم القدرة على فهم مشاعرك، امتلاك قدرة محدودة على بناء علاقات متينة و ثابتة و المحافظة عليها، صعوبة التواصل مع الآخرين و الخوف و عدم الاستقرار العاطفي.

-يؤثر أيضاً التعرض للتجارب السابقة بين فترتي الرضاعة و المراهقة على علاقات الفرد عند البلوغ.

-يتأثر دماغ الرضيع بشدة بنمط الارتباط الذي يتبناه تدريجياً، لذا فإن فهمك لنمط الارتباط الذي كنت قد تبنيته خلال فترة رضاعتك قد يقدِّم لك تفسيرات واضحة و كافية للمشاكل و النزاعات التي من المتحمَل أنك تواجهها في علاقتك العاطفية كشخص بالغ. هل تتبع أي سلوكيات مدمرة للذات في علاقاتك المقربة؟ هل تمارس هذه السلوكيات مراراً و تكراراً دون التراجع عنها؟ هل تكافح من أجل تكوين علاقات هادفة ذات أهمية و قيمة و تضع هذا الهدف في أولى أولوياتك؟

-بغض النظر عن حجم و نوع المشاكل التي تواجهها في علاقاتك مع الأشخاص الآخرين، يحب عليك أن تؤمن بأن دماغك قادرٌ على تغيير واقعك هذا و الإطاحة بالمعتقدات و التخلص من السلوكيات التي تُعزى إلى نمط الارتباط غير الآمن. يمكِّنك هذا التغيير من معرفة كيفية مواجهة كل ما يُشعرك بانعدام الأمن الداخلي و تبني و إتباع نمط ارتباط آمن في العلاقات مع الآخرين و بناء و تأسيس علاقات أكثر قوةً و صحةً و ثباتاً.

أنماط الارتباط المختلفة و كيفية بلورتها للعلاقات عند الأشخاص البالغين

-تحدد سلوكيات و تصرفات الفرد في علاقة ما نمط الارتباط الذي قد تبناه و اتبعه، بالأخص عندما تكون هذه العلاقة هشةً مهددةً بالانهيار. على سبيل المثال، قد يشارك شخص ما يتبنى أو يعتمد نمط الارتباط الآمن مشاعره مع الآخرين، كما أنه قد يسعى للحصول على الدعم من الآخرين عند الحاجة لذلك. أما بالنسبة للشخص الذي يتبنى أو يتبع نمط تعلق غير آمن، فتجده يميل لأن يكون متطلباً  و متطفلاً في أكثر علاقاته تقارباً، قد يتصف بالأنانية، و قد يتبع سلوكيات تلاعبية عندما يشعر بالضعف و الهشاشة الداخلية، حتى أنه قد يشعر بالخجل من العلاقة الحميمية مع شريكه.

-إن فهمك لنمط الارتباط الذي كنت قد تبنيته خلال فترة رضاعتك و إدراكك لكيفية تأثيره على علاقاتك كشخص بالغ، يساعدك على تفسير كل من السلوكيات و التصرفات التي تتبعها، كما قد يساعدك ذلك على فهم نظرتك إلى مشاعر و احتياجات شريكك، و كيفية استجابتك لهذه المشاعر و الاحتياجات. يساعدك بدوره تفسير هذه السلوكيات و فهم مصدرها في الوصول إلى أفضل طريقة ممكنة للتغلب على المشاكل و الخلافات التي قد تعترضك في هذه العلاقة.

-في حين أنه يتم تحديد نمط الارتباط لدى الرضيع من خلال التواصل بينه و بين الشخص الذي يقدم له الرعاية في هذه الفترة، و خاصة في السنة الأولى من عمر الرضيع، إلّا أن قوة هذا الارتباط لا يتم تعتمد فقط على الحب الذي يقدمه الأهل للرضيع أو على جودة الرعاية التي يحصل عليها، و إنما يعتمد أيضاً على مدى قوة و متانة و نجاح التواصل غير اللفظي الذي ينشأ بين الرضيع و الشخص الذي يقدم له الرعاية في هذه الفترة.

-يشارك الرضيع مشاعره و احتياجاته من خلال إرسال إشارات أو رسائل غير لفظية، كالبكاء مثلاً، أو الهديل، أو التأشير بأصابع اليد و الابتسام. بدوره، يجب أن يقرأ مقدم الرعاية هذه الإشارات و يفسرها، و بناءً على هذا التفسير، فإنه يقوم بتلبية احتياجات الرضيع المختلفة من طعام، و نوم، و رغبة بالشعور بالحب و التعاطف، و غيرها. يُدعى هذا بالتواصل غير اللفظي، الذي يؤدي نجاحه بين الرضيع و مقدم الرعاية إلى تمكين الرضيع من تبني و إتباع نمط ارتباط آمن، مستمراً معه طوال حياته.

-لا يتأثر نجاح التواصل غير اللفظي بأي من العوامل الاقتصادية و الاجتماعية المحيطة، كمقدار الثروة التي تمتلكها عائلة الرضيع مثلاً، أو المستوى التعليمي لها، أو العرق أو الدين الذي تنتمي له، أو حتى المستوى الثقافي لها، بل إن نجاح هذا التواصل يعتمد، و كما ذكرنا سابقاً، على مدى قدرة مقدم الرعاية على تفسير و فهم الإشارات و الرسائل التي يرسلها الرضيع خلال هذه الفترة. يَجدُر بالذكر هنا، أنه ليس من حقك كشخص بالغٍ أن تلقي باللوم بشكل كاملٍ على والديك في السلوكيات و التصرفات التي تتبعها في علاقاتك الحالية مع الآخرين، حيث تلعب التجارب التي تتعرض لها خلال فترة طفولتك و مراهقتك و بلوغك أيضاً دوراً لا يُستهان به في تحديد سلوكياتك و تصرفاتك في علاقاتك مع الآخرين، أي في تحديد نمط الارتباط الذي تتبعه.

أنماط الارتباط

-هناك نمطان رئيسيان من الارتباط، الارتباط الآمن و الارتباط غير الآمن، لكن هناك ثلاثة أنماط فرعية من الارتباط غير الآمن، أي يصبح لدينا أربعة أنماك للارتباط و هي:

1-الارتباط الآمن.

2-الارتباط الضعيف أو الهش (يسوده القلق و عدم الشعور بالأمان و الاطمئنان).

3-الارتباط الذي يسوده جو من الرفض و التجنب.

4-الارتباط غير المنتظَم.

نمط الارتباط الآمن:

-من صفات الأشخاص الذين يتبعون هذا النمط من الارتباط التعاطف مع شركائهم، و القدرة على رسم و وضع الحدود المناسبة في علاقاتهم المختلفة مع الآخرين، كما أنهم يميلون إلى الشعور بالمزيد من الأمان و الاستقرار و الرضا في علاقاتهم هذه. غالباً ما ينجحون في تكوين علاقات متينة و قوية، كما ينجحون في المحافظة عليها. يَجدُر بالذكر هنا أنه ليس السبب في سعيهم لتكوين هذه العلاقات هو خوفهم من البقاء وحيدين، أي هم لا يخشون ذلك.

-كيف يؤثر هذه النمط من الارتباط على العلاقات لدى الأشخاص البالغين؟

إن إتباعك لنمط الارتباط الآمن لا يعني أبداً أنك شخص مثالي، أو أنك لن تواجه أي عقبات أو تحديات أو مشاكل في علاقاتك مع الأشخاص الآخرين، بل يعني ذلك أنك تشعر بدرجة عالية من الأمان الداخلي تمكِّنك من تحمل مسؤولية أخطائك و هفواتك التي ترتكبها، و يعني ذلك أيضاً أنك مستعد للبحث عن الدعم و التعاطف عندما تكون بحاجةٍ لذلك. بعض الصفات و المميزات الأخرى:

+تُحسِن تقدير قيمة ذاتك، و تكون قادراً على أن تظهر بمظهرك الداخلي الحقيقي و أن تمثل نفسك لا غير في علاقاتك المتخلفة مع الآخرين، و لاسيما في علاقتك العاطفية مع شريكك، كما تكون مرتاحاً و مطمئناً أثناء تعبيرك عن مشاعرك و أمنياتك و آمالك و احتياجاتك.

+يجتاحك شعور الرضا عن النفس في علاقاتك مع الآخرين، كما تسعى بشكل واضحٍ و صريحٍ للحصول على الدعم عند احتياجك لذلك، و لا تشعر بالقلق المفرط عند انهيار إحدى تلك العلاقات.

+تكون سعيداً عندما يعتمد عليك شريكك في الحصول على الدعم.

+تكون قادراً على الحفاظ على توازنك العاطفي، و تسعى للتعامل مع الخلافات و العوائق التي تتعرض لها في علاقاتك مع الآخرين بطرقٍ صحيةٍ و فعالة و مفيدة.

+عندما تتعرض لخيبات الأمل، النكسات، سوء الحظ في علاقاتك، أو في حياتك الشخصية، فإنك تكون قادراً على التغلب على كل هذه العوائق و المضي قدماً في حياتك.

-العلاقة التي كانت سائدة بينك و بين الشخص الذي كان مسؤولاً عن رعايتك في فترة الرضاعة

إنَّ كونكَ شخص يتبع هذا النمط من الارتباط، فمن المحتمل أن مقدم الرعاية الذي كان متكفلاً برعايتك في فترة الرضاعة كان قادراً على النجاح في التواصل معك كرضيع، و الاستمرار في ذلك دون انقطاع، كما أنه كان ناجحاً في التعامل مع التوتر و الضغط اللذان كان يعاني منهما في حياته، و إبعادهما عنك، بالإضافة إلى أنه نجح في طمأنتك و تهدئتك عندما كنت تشعر بالضيق، كما نجح هذا الشخص في التواصل غير اللفظي معك، و استجاب لاحتياجاتك الجسدية و النفسية المتغيرة، مما مكن جهازك العصبي من تبني و إتباع نمط ارتباط آمن.

-يجب التأكيد و التذكير بأنه لا يوجد والدين أو مقدمي رعاية مثاليَّين، و أنه ليس بمقدور أحد أن يكون منتبهاً للرضيع و حاضراً معه طوال ال 24 ساعة. بالحقيقة، تشير الدراسات إلى أن ذلك ليس ضرورياً من أجل البناء و التأسيس لنمط الارتباط الآمن لدى الطفل الرضيع، بل إن فهم و تفسير الإشارات و الرسائل غير اللفظية للطفل الرضيع بالشكل المناسب هو الضروري لتحقيق ذلك.

-إن التأسيس لنمط الارتباط الآمن لدى الطفل الرضيع يمكِّنه في المستقبل من الاعتماد على ذاته، و الثقة بنفسه، و أن يكون متصالحاً مع حقيقة أنه لا بدَّ لكل إنسان من أن يواجه العوائق و التحديات و المشاكل في علاقاته المختلفة مع الآخرين.

قد ينطبق على شخص ما، بعض صفات و مميزات نمط الارتباط الآمن الذي تحدثنا عنه أعلاه، و ليس كل تلك الصفات و المميزات. على سبيل المثال، حتى ولو كنت تميل إلى الثبات و الاستقرار في علاقاتك مع الآخرين، فإنك من الممكن أن تتبع بعض الأساليب و الأنماط المعينة من التفكير التي تسبب لك الخلافات و المشاكل في هذه العلاقات. ابدأ بالنظر فيما إذا كنت ترتبط بأي من أنماط الارتباط غير الآمن الثلاثة التالية:

نمط الارتباط الضعيف أو الهش (يسوده جوٌّ من القلق و عدم الشعور بالأمان و الاطمئنان)

-يميل الأفراد الذين يتبنون و يتبعون هذا النمط من الارتباط لأن يكونوا متطلبين بشكلٍ مبالغ فيه. غالباً ما تجد هؤلاء الأشخاص قلقين، غامضين، تدور حول سلوكياتهم الكثير من إشارات الاستفهام، كما أنهم يفتقرون إلى تقدير ذواتهم. تجدهم يرغبون بشدة بأن ينخرطوا في علاقة عاطفية مع شخص ما، لكنهم يخشَون من أن الطرف الآخر لا يرغب بهم و لا يريدهم.

-كيف يؤثر هذا النمط من الارتباط على العلاقات لدى الأشخاص البالغين

لو كنت ممن يتبعون هذا النمط من الارتباط، فقد تشعر بالحرج بسبب تصورك أنك تتطفل على الآخرين، أو لتصورك أنك متطلبٌ للغاية في الحصول على الحب و الاهتمام و الانتباه من الآخرين، أو حتى قد يصيبك التعب و الإرهاق النفسي بسبب تساؤلاتك المستمرة في داخلك عما إذا كان الطرف الآخر يحبك و يقدرك أم لا. بعض السلوكيات و الصفات الأخرى للأشخاص الذين يتبعون و يتبنون هذا النمط من الارتباط:

+تشعر برغبة في التقارب من أحد ما و تكوين علاقة عاطفية معه، لكنك تجد صعوبة بالغةً في أن تثق به و أن تعتمد عليه بشكلٍ كلي.

+تشعر أن انخراطك في هذه العلاقة قد قيد حريتك و سيطر على حياتك.

+تجد أنه لمن الصعب للغاية رسم حدودٍ واضحةٍ بينك وبين شريكك، حيث ترى أن هذه الحدود التي تخلق مسافة بينكم تشكل تهديداً واضحاً و مباشراً لهذه العلاقة، كما تتصور في ذهنك أن هذه المسافة ستجعل شريكك ينفر منك و يبتعد عنك، مما يصيبك بالهلع و الخوف الشديدين.

+يعتمد تقييمك لذاتك، بشكل رئيسيٍ، على كيفية معاملة الأشخاص الآخرين لك في العلاقات، و تميل إلى المبالغة في رد الفعل تجاه كل ما يشكل تهديداً لهذه العلاقات.

+تشعر بالقلق المفرط أو الغيرة عندما يكون شريكك بعيداً عنك، مما قد يدفعك لإتباع سلوكيات تلاعبية كفرض سيطرتك عليه مثلاً، أو تظاهرك بالشعور بالذنب تجاه أمر ما بهدف إبقائه قريباً منك و تحت أنظارك.

+ترغب باستمرار تدفق الشعور بالراحة و الطمأنينة و الاهتمام و الحب المقدمين من قبل شريكك بداخلك.

+قد ينتقدك البعض لكونك متطلباً للغاية أو متطفلاً عليهم، لكنك تسعى جاهداً من أجل الاستمرار بالانخراط في العلاقة معه.

-العلاقة التي كانت سائدة بينك و بين الشخص الذي كان مسؤولاً عن رعايتك في فترة الرضاعة

لو أنك من الأشخاص الذين يتبعون هذا النمط من الارتباط غير الآمن، فمن المحتمَل أنَّ المسؤولين عن تقديم الرعاية لك في فترة رضاعتك كانوا غير مستقرين أو ثابتين في أداء واجباتهم المتعلقة بالأبوة و الأمومة. تجدهم في بعض الأحيان قادرين على فهم و تفسير مشاعرك و رغباتك، و تلبية احتياجاتك  الجسدية و النفسية المتغيرة، و في أحيانٍ أخرى، تجدهم غير قادرين على القيام بذلك. قد يشعرك عدم الاستقرار أو الثبات هذا بالقلق، و قد يسبب لك اضطراباً، و من ثم قد تقوم باستنساخ هذه السلوكيات و تطبيقها في علاقاتك المستقبلية مع الآخرين كشخص بالغ.

نمط الارتباط المحاط بالرفض و التجنب:

-تكون تصرفات و رغبات و سلوكيات الأشخاص البالغين الذين يتبعون هذا النمط من الارتباط غير الآمن بعكس ما هي عليه عند الأشخاص الذين يتبعون نمط التعلق الهش أو الضعيف. على سبيل المثال، تجدهم حذرين للغاية من التقارب مع الآخرين، حتى أنهم قد يتجنبون التواصل العاطفي مع شخص ما، بدلاً من امتلاكهم رغبة شديدةً في الانخراط بعلاقة عاطفية. هم لا يعتمدون على الآخرين و لا يرغبون بأن يعتمد أحد عليهم.

-كيف يؤثر هذا النمط من الارتباط على العلاقات لدى الأشخاص البالغين

إن كونك شخص يتبع هذا النمط من الارتباط، فمن المحتمل أنك تشعر بصعوبةٍ في تحمل المشاعر العاطفية و الحميمية. تقدِّر استقلاليتك و حريتك لدرجة أنك تشعر بعدم الارتياح تجاه علاقتك العاطفية بشريكك، و قد يصل بك الحال لأن تشعر أن هذه العلاقة تقيدك و تخنقك و تعترض حريتك. بعض السلوكيات و الصفات الأخرى للأشخاص الذين يتبعون و يتبنون هذا النمط من الارتباط:

+الاستقلالية و الاعتماد على الذات، و الاهتمام و الاعتناء بالنفس و عدم الشعور بالحاجة إلى الآخرين.

+كلما حاول الأشخاص الاقتراب منك، أو كلما أصبح شريكك أكثر تطلباً، كلما شعرت برغبةٍ في الانسحاب من هذه العلاقة.

+غالباً ما يتهمك شريكك بأنك منغلق على نفسك، و بأنك تضع حدوداً واضحةً تأطِّر هذه العلاقة، و بأنك جامدٌ، متعصبٌ، حقودٌ غير متسامح، و تتهمه بدورك أنت بأنه متطلبٌ للغاية.

+تميل إلى ممارسة بعض السلوكيات السلبية كالاستخفاف بمشاعر شريكك، إخفاء الأسرار عنه، كما أنك تكون مستعد للتخلي عنه في سبيل الحفاظ على شعورك بالحرية و الاستقلال.

+قد تفضل العلاقات العابرة على العلاقات الجدية طويلة الأمد، أو قد تبحث عن شريك يتمتع بنفس الرغبة و القدر من الاستقلالية لديك، و الذي سيحافظ على مسافة معينة بينه و بينك على الصعيد العاطفي.

+في حين أنك تعتقد أنك تتجنب أن تنخرط في علاقة عاطفية مع أحد ما، فإن الحقيقة تقول عكس ذلك، حيث أننا نرغب جميعاً كبشر في أن نكون جزءً من علاقة عاطفية ذات قيمة بالنسبة لنا. كل ما يحتاجه الأشخاص الذين يتبعون هذا النمط من الارتباط غير الآمن هو فقط التغلب على مخاوفهم العميقة التي تشوه تصورهم للعلاقة العاطفية.

-العلاقة التي كانت سائدةً بينك و بين الشخص الذي كان مسؤولاً عن رعايتك في فترة الرضاعة

لو كنت من الأشخاص الذين ينتمون لهذا النمط من الارتباط غير الآمن في علاقاتك مع الآخرين، فمن المحتمل أنك قد امتلكت والدين غير متاحين عاطفياً. لقد اضطررتَ، بسبب عدم تلبية احتياجاتك و رغباتك المتغيرة في فترة رضاعتك، إلى كبت و تهدئة ذاتك و متطلباتك هذه. الأمر الذي سينعكس على حياتك كشخصٍ بالغ على شكل تجنُّب الخوض في العلاقات العاطفية و الصداقات، امتلاك الرغبة بالاستقلالية-حتى لو سببت لك هذه الاستقلالية أو الوحدة القلق و الاكتئاب.

نمط الارتباط غير المنتظم/المرتبك:

-ينشأ هذا النمط من الارتباط لدى الشخص نتيجة الخوف الشديد الذي يشعر به خلال فترة الرضاعة و الطفولة المبكرة، و غالباً ما تكون السلوكيات التي عانى منها في تلك الفترة هي السبب الرئيسي في نشوء هذا الخوف لديه، كالتعرض للتجاهل و الإهمال مثلاً، و إساءة المعاملة، و التعنيف، أو حتى التعرض لصدمات نفسية.

-كيف يؤثر هذا النمط من الارتباط على العلاقات لدى الأشخاص البالغين؟

لو كنت من الأشخاص الذين يتبعون هذا النمط من الارتباط غير الآمن، فمن المحتمل أنك لم تتعلم أبداً تهدئة مشاعرك و السيطرة عليها، مما قد يُشعر الأشخاص المحيطين بك بالخوف و عدم الأمان. قد تقوم باستنساخ كل السلوكيات التي تعرضت لها و عانيت منها في فترة رضاعتك و طفولتك المبكرة و تعكسها على علاقاتك مع الآخرين كشخص بالغ. بعض السلوكيات و الصفات الأخرى للأشخاص الذين يتبعون و يتبنون هذا النمط من الارتباط غير الآمن:

+ترى أن العلاقات التي تحقق درجةً عالية من التقارب مربكة و مقلقة، و غالباً ما تتأرجح بين حبك و كرهك الشديدين لشريكك.

+قد تكون بارد المشاعر تجاه شريكك، أناني، متحكمٌ تسعى لفرض سيطرتك على العلاقة، كما أنك من الوارد أن تمارس هذه السلوكيات مع نفسك كما تمارسها مع شريكك أو مع الآخرين.

+ قد تمارس بعض السلوكيات غير الاجتماعية و السلبية، كتعاطي الكحول و المخدرات مثلاً، و الميل إلى ممارسة العنف و التصرف بعدوانية.

+قد ييأس الآخرون منك بسبب رفضك تحمل المسؤولية تجاه أفعالك و تصرفاتك.

+تتوق إلى الشعور بالأمان و الاستقرار في علاقة عاطفية تجمعك بشخص آخر، لكنك تشعر بأنك لا تستحق أن يتم تقديم الحب لك و تتصور أن شريكك هذا سيتخلى عنك و أنك ستتعرض للألم مجدداً، مما يصيبك بالخوف و القلق.

-العلاقة التي كانت سائدةً بينك و بين الشخص الذي كان مسؤولاً عن رعايتك في فترة الرضاعة

من المحتمل أن مقدم الرعاية الخاص بك في تلك الفترة كان لا يزال يعاني من تأثير بعض الصدمات النفسية التي تعرض لها في فترة من فترات حياته، و أنه لم يقم بمعالجة هذه الآثار، الأمر الذي أدى إلى انتقال شعور القلق و الخوف إليك أنت كرضيع، و هذا بدوره ما سيجعلك تكتسب هذا النمط من الارتباط غير الآمن. من المحتمل أيضاً أن والداك كانا يمثلان منبعاً للخوف و الأمان في نفس الوقت لك في تلك الفترة، مما قد أشعرك بالحيرة و الارتباك اللذان ينعكسان على علاقاتك الحالية مع الآخرين كشخص بالغ. غالباً ما كانا والداك يتغافلان عن رغباتك و احتياجاتك المتغيرة في تلك الفترة، مما يكون قد سبب لك الأذى النفسي.

أسباب تبني الرضيع نمط الارتباط غير الآمن

هناك العديد من الأسباب التي تمنع حتى الوالدان اللذان يقدمان الحب و الاهتمام و غيرها من المشاعر الإيجابية لطفلهما الرضيع و اللذان يقومان بتلبية احتياجاته و رغباته من التأسيس لنمط ارتباط آمن لدى هذا الطفل. و من هذه الأسباب:

+كون والدة الطفل- و هي غالباً ما تكون مقدم الرعاية الأساسي للطفل- يافعة و غير ذات خبرة و لا تمتلك مهارات الأمومة الكافية التي تحتاجها في التعامل مع طفلها الرضيع.

+إصابة مقدم الرعاية بالاكتئاب الناتج عن العزلة، أو افتقاره إلى الدعم الاجتماعي، أو إصابته ببعض المشاكل الهرمونية، مما يجبره على التراجع عن تقديم الرعاية المطلوبة للطفل.

+إدمان مقدم الرعاية على بعض المواد كالكحول و المخدرات، الأمر الذي يقلل من قدرته على فهم و تفسير رغبات و احتياجات الرضيع بشكل دقيق، و من قدرته على الاستجابة إلى هذه الاحتياجات الجسدية و النفسية المتغيرة و تلبيتها.

+تعرض مقدم الرعاية لأذىً جسيم: على سبيل المثال، إصابته بمرض خبيث، أو تعرضه لحادث ما، مما يؤدي إلى انقطاع صلته بالطفل الرضيع.

+الإهمال الجسدي: تجاهل و إهمال مقدم الرعاية للمشاكل الطبية التي يعاني منها الطفل في النمو، كتجاهل معالجة سوء التغذية الذي يعاني منه هذا الطفل مثلاً، أو تجاهل النظر في الخمول الذي يعاني منه الطفل و الذي لا يتناسب أبداً مع هذه الفترة من حياته.

+الإهمال العاطفي أو التعنيف و إساءة المعاملة: على سبيل المثال، عدم بذل مقدم الرعاية الجهد الكافِ في الاعتناء بالطفل الرضيع، أو في محاولة فهم مشاعر و رغبات هذا الطفل، أو القيام بتعنيفه لفظيّاً.

+انفصال الرضيع عن الشخص المسؤول بشكل رئيسي عن رعايته: يحدث هذا لأسباب مختلفة كالمرض مثلاً، الموت، الطلاق، و ما إلى ذلك.

+عدم معرفة و تمييز الرضيع للشخص المسؤول بشكل رئيسي عن رعايته: على سبيل المثال، توالي العديد من المربيات على الرضيع و اللواتي يقدمن الرعاية له في مراكز الرعاية النهارية قبل أن يتفرغ والداه له بعدئذٍ.

+الانتقال المكاني المتكرر: أي أن تنتقل عائلة هذا الرضيع مرات عديدة من بيئة إلى أخرى خلال فترة نموه، أو مثلاً أن ينتقل من دار أيتام إلى آخر ،أو من مأوىً إلى آخر.

السبيل إلى التخلص من نمط الارتباط غير الآمن

-يجب عليك لدى إدراكك بأنك تتبع هذا النمط من الارتباط أن تؤمن بحقيقة أنه بإمكانك التخلص من هذا النمط و إتباع نمط الارتباط الآمن بدلاً عنه، و يجب عليك أن تؤمن أيضاً بأنه ليس عليك الاستسلام للاستمرار بممارسة السلوكيات و التصرفات التابعة لنمط الارتباط غير الآمن طوال حياتك. تستطيع كشخص بالغٍ أن تُحدِث التغيير أو الانتقال المطلوب من إتباع نمط الارتباط غير الآمن إلى إتباع نمط الارتباط الآمن.

-إن أفضل ما يمكنك فعله عند اتخاذ النية في إحداث هذا التغيير هو التوجه لتلقي العلاج النفسي الذي يساعدك على ذلك، سواء كنت تتلقى هذا العلاج بشكل فردي لدى معالج نفسي خاص بك أو مع شريكك عند معالج نفسي مختص بتقديم العلاج للأزواج. يساعدك المعالِج على فهم تجاربك العاطفية السابقة و تعزيز شعورك بالأمان الداخلي.

-أما إذا لم تجد فائدة تُذكَر من العلاج النفسي لدى المختصين، فلا يزال هناك العديد من الإجراءات التي بإمكانك إتباعها بنفسك بهدف البناء و التأسيس لإتباع نمط الارتباط الآمن. ألِمَّ قبل أن تبدأ بإتباع هذه الإجراءات بكل ما يمكنك الإلمام به فيما يخص نمط الارتباط غير الآمن، حيث أنه كلما امتلكت قدرةً أكبر على فهم و تفسير و إدراك نمط الارتباط غير الأمن، كلما زادت قدرتك على تصحيح و معالجة السلوكيات و التصرفات التي تخص هذا النوع من الارتباط، السلوكيات و التصرفات التي من المحتمل أنها تساهم في معظم المشاكل و العوائق التي تعترضك في علاقاتك مع الآخرين.

– تمكنك الإجراءات التالية من الانتقال إلى إتباع نمط الارتباط الآمن:

1- تطوير مهارات التواصل غير اللفظي:

يعتمد نجاح العلاقات بين الأشخاص البالغين، تماماً كما يعتمد نجاح العلاقة بين الطفل الرضيع و مقدم الرعاية له، على مدى نجاح و قوة التواصل غير اللفظي بينهم.

حتى ولو لم تكن مدركاً لذلك، فإنك عندما تتفاعل مع الآخرين، تقوم بإرسال و استقبال الإشارات غير اللفظية المتمثلة بالإيماءات و التواصل بالأعين و ما شابه ذلك. تُعبِّر هذه الإشارات بقوة و فعالية عما تشعر به في داخلك، و تمتلك تأثيراً قوياً على الأشخاص.

بغض النظر عن عمرك، يساعدك تطويرك و تحسينك لجودة التواصل غير اللفظي لديك على تمكين و تقوية علاقاتك مع الآخرين، و تستطيع تطوير هذا النوع من التواصل من خلال تعلمك كيفية التعامل مع الضغط و التوتر في حياتك، و تطوير الإدراك العاطفي لديك.

2- تعزيز الذكاء العاطفي:

يتمثل الذكاء العاطفي لديك في قدرتك على فهم و إدراك مشاعرك، و تعلمك لكيفية مشاركة هذه المشاعر بشكل فعال و صحيح مع شريكك، و كيفية توظيفك في التعاطف معه، و القدرة على التواصل العاطفي بشكل أكثر فعالية، و التعامل مع الخلافات التي تحدث بينكم بطرق فعالة و صحية.

و كما هو الحال بالنسبة لتحسين و تطوير فهمك و استجابتك للإشارات غير اللفظية، فإن العمل على تعزيز ذكائك العاطفي يساعدك أيضاً في تمكين و تقوية علاقتك العاطفية.

3- تطوير العلاقات مع الأشخاص الذين يتبعون نمط ارتباط آمن:

قد يؤدي انخراطك في علاقة ما مع شخص يتبع نمط الارتباط غير الآمن إلى الكثير من النتائج السلبية و المؤلمة. بإمكانكما كزوجين يتبعان نمط الارتباط غير الآمن أن تساعدا بعضكما على الانتقال معاً إلى إتباع نمط ارتباط آمن. أما كشخصٍ عازب، فمن الأفضل لك أن تبحث من الأساس على شريك يتبع نمط ارتباط آمن، ما قد يساعدك على الابتعاد عن الأنماط السلبية من التفكير و السلوك.

تلعب العلاقة المتينة، التي يتم الحصول فيها على الدعم الكافي من قبل الشريك، دوراً هاماً في بناء و تكوين و المحافظة على إحساسك الداخلي بالأمان و الاطمئنان. تشير الدراسات الاستقصائية إلى أنه من خمسين إلى ستين بالمائة من الأشخاص يتبعون نمط ارتباط آمن، مما يخبرنا أن لدينا فرصة كبيرة في العثور على شريك يتبع هذا النمط من الارتباط. بشكل مماثل للعلاقة العاطفية، فإن تكوين و بناء علاقات الصداقة مع الأشخاص الذين يتمتعون بهذا النمط من الارتباط بإمكانه أن يساعدك على فهم و إدراك و تبني سلوكيات هذا النمط من الارتباط.

4- معالجة الأثر الناتج عن الصدمات النفسية التي تعود إلى مرحلة الطفولة:

قد يحرمك التعرض للصدمات النفسية خلال فترة الرضاعة و الطفولة المبكرة من الإحساس الداخلي بالأمان و الاطمئنان. يُعزى هذا الأذى النفسي، و كما ذكرنا سابقاً، إلى العديد من الأسباب، كأن تكون البيئة المنزلية التي قد ترعرعت فيها هشة و غير مستقرة، أو كأن تتعرض في فترة رضاعتك للانفصال عن الشخص المسؤول عن تقديم الرعاية لك، أو تعرضك للإهمال و التعنيف و إساءة المعاملة من قبل الوالدين أو مقدمي الرعاية. قد يستمر الأذى النفسي الناتج عن مثل هذه السلوكيات و التصرفات معك في فترة بلوغك، إذا لم تقم بمعالجة الأثر الناتج عنه.

ضع في اعتبارك أن عدد السنين الذي مرَّ على تعرضك لهذا الأذى لا يهم، فمهما كان عدد تلك السنين، ما زال بإمكانك معالجة ذلك الأذى من خلال إتباع الإجراءات السابقة، كما ستمكنك هذه الإجراءات من استعادة توازنك العاطفي، و استرجاع القدرة على التواصل مع الآخرين بشكل آمن و إيجابي، و بناء الثقة في علاقاتك المختلفة من جديد.

قد يعجبك ايضا
فتح الدردشة
1
💬 تحتاج الى مساعدة ؟
مرحبا بك في مركز ولبينق👋
كيف يمكننا مساعدتك ؟