تكتيكات يستخدمها المتلاعبون للتحكم بك

تكتيكات يستخدمها المتلاعبون للتحكم بك

لا يدرك العديد منا أن هناك أشخاص يحاولون إرباكنا و فرض سيطرتهم علينا و التحكم بنا. قد نشعر بالقلق و عدم الرضا تجاه حديثهم معنا، أو قد نشعر بأننا محاصرون و ملزمون بالموافقة على طلب ما. فيقوم معظمنا بإبداء ردات فعل تزيد من سوء معاملتهم لنا أو تصب في مصلحتهم، مما قد يؤدي بنا إلى الشعور بالذنب و الضيق، ثم بعد ذلك نتراجع عن موقفنا و نتقبل السلوك غير المقبول. لو كنتَ قد ترعرعت في كنف والدان متلاعبان فسيصبح التلاعب أمراً مألوفاً لك بحيث أنك لن تستطيع اكتشافه في شريك حياتك إن وُجد لديه.

تفيدنا الحكمة القديمة القائلة ” اعرف عدوك جيداً” عند التعامل مع شخص متلاعب. عندما تكون قادراً على كشف هذا الاعتداء الخفي الذي تتعرض له و الذي يُسمى بالتلاعب فستصبح قادراً على التصدي له بشكل استراتيجي. إن فهم ما يخططه أو ما يحيكه الآخر لك يمنحك القوة لمواجهته و التصدي له.

يعد السلوك الشديد السلبية أو الدفاعي المبالغ به اعتداءً خفياً(تلاعب). إنَّ تحديد إلى أي مدى يكون تصرفهم هذا واعياً أو غير واعٍ هو أمر متخالف عليه، لكنه لا يلعب أي دور فيما يخص الضحية، فالتأثير عليها هو نفسه سواء كان المتلاعب واعٍ لما يقوم بفعله أو غير واعٍ. إن التعاطف المبالغ به الذي تبديه قد يعرضك لسوء المعاملة مراراً و تكراراً و عندما يهاجمك شخص ما بشكل علني أو خفي بناءً على ذلك فإنه يكون عدوانياً.

يرى عالم النفس (جورج سايمون) أن الأشخاص المتلاعبون يقولون أو يفعلون أشياء عن عمد بهدف التحصل على ما يريدون-فرض القوة و بسط السيطرة. أما بالنسبة لأولئك الذين يعانون من عيب ما يميزهم، كالمعتلين اجتماعيا، و المصابين بالنرجسية، و بعض الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الشخصية الحدية، فإنه يأكِّد بأن تصرفهم الدفاعي و الذي هو عبارة عن تلاعب يكون بغير وعيٍ، حيث يكون سلوكاً متجذراً فيهم.

الأهداف التي يسعى إليها شخصٌ متلاعبٌ

إن الهدف من التلاعب هو كسب التأثير و توظيفه في تلبية بعض الاحتياجات، لكن الأشخاص المفطورين على التلاعب و الذين يعد التلاعب سلوكا متجذرا فيهم يقومون بذلك من أجل بسط السيطرة و السلطة و يستخدمون في ذلك أساليب مظللةً و مسيئة. يتلاعب بك هؤلاء الأشخاص عاطفياً و يسيئون معاملتك و يتحكمون بك و كل هذا من أجل أن يحافظوا على بسط سيطرتهم عليك. غالباً ما يكونون شديدي العداء، و عندما تتذمر و تشتكي من ذلك فقد يُبدون لك أنهم قد صُدموا أو جُرحوا- و يتظاهرون بذلك من أجل عدم مواجهة أي انتقاد و الاستمرار بتصرفاتهم غير المقبولة.

يهدف المتلاعبون من الحفاظ على فرض هيمنتهم عليك إلى:

-تجنب المواجهة.

-إبقائك في موضع دفاعي.

-جعلك تشكك في نفسك و في نظرتك لهم.

-إخفاء نواياهم العدوانية.

-تجنب تحمل المسؤولية.

-ألّا يضطروا لإحداث أي تغيير في أنفسهم.

تصبح بالنهاية ضحيةً لهم و يمكن أن تفقد الثقة في نفسك و في مشاعرك و في نظرتك تجاه الغير.

أساليب التلاعب السرية

قد يشمل التلاعب الاعتداء العلني الصريح كالنقد مثلاً،و التعامل النرجسي، و الإساءة العاطفية. يستخدم المتلاعبون أسلحة سرية منها: التظاهر بالشعور بالذنب، الشكوى، المقارنة، الكذب، الإنكار، التظاهر بالجهل و البراءة( كقولهم على سبيل المثال،”من؟ أنا !؟”)، إلقاء اللوم، تعمد إساءة الفهم، الابتزاز العاطفي، المراوغة و الخداع، التظاهر بالنسيان و عدم الانتباه، التظاهر بالشعور بالقلق، الاعتذار، الإطراء و المدح و تقديم الهدايا.

بعض الأمثلة عن التكتيكات و الأساليب التي يستعملها المتلاعبون:

الكذب

يكذب أحياناً الأشخاص المعتادون على الكذب عندما لا يكون ذلك ضرورياً، لا يكذبون بسبب خوفهم من أمر ما أو لأنهم مذنبون، بل يكذبون بهدف إرباكك و تحقيق ما يطمحون إليه. و بالتزامن مع ذلك قد يوجه لك بعضهم الاتهامات مما يضعك في موقف دفاعي أو قد يستخدمون أساليب تلاعب أخرى. يمكن أن يكون الكذب غير مباشر أيضاً، و ذلك من خلال الغموض أو التغاضي عن ذكر المعلومات المهمة من الرواية، يُعتبر هذا كذبا على الرغم من صحة كل ما يُقال. على سبيل المثال، قد يقول المتلاعب أنه كان يتمرن ليلاً في صالة رياضية لكنه يتغاضى عن الاعتراف بإقامته علاقة غير مشروعة آنذاك، يُعتبر هذا كذباً غير مباشر.

الإنكار

لا نتكلم هنا عن الإنكار غير المتعمَّد (و الذي من أمثلته عدم إدراك الشخص بأنه يتعرض للاستغلال، عدم إدراكه بأنه يعاني من الإدمان) بل نشير بأصابعنا إلى الإنكار المتعمَّد، الذي يكون الهدف منه التنصلَ من كل ما يحمِّل المسؤولية( كالاتفاقيات و الوعود و بعض السلوكيات). تتسع دائرة الإنكار لتشمل أيضاً التقليل من أهمية الأمور و خلق التبريرات و تقديم الأعذار. يتصرف الشخص المتلاعب على أساس أنك تبدي اهتماماً كبيراً لأمر لا يستحق الاهتمام أو يقوم بالتبرير و الاعتذار ليجعلك تشك في نفسك أو حتى ليكسب تعاطفك.

التجنب

يتجنب المتلاعبون المواجهة و تحمل المسؤولية بأي ثمن كان. قد يرفضون ببساطة النقاش حول طبيعة سلوكهم و ما يبدونه من تصرفات، و قد يترافق هذا الرفض مع مهاجمتهم لك، على سبيل المثال” أنت دائماً ما تقوم بإزعاجي” واضعاً إياك بموضع الدفاع و جاعلاً إياك تشعر بالذنب و اللوم و العار.

كما يمكن أن يتم التجنب بطريقة غير ملاحظة و غير ظاهرة و ذلك من خلال انتقال الشخص المتلاعب بالحديث إلى مواضيع أخرى. قد يطغى عليك من خلال التباهي أو التفاخر بك أو مجاملتك أو أن يردد على مسامعك أشياء تود سماعها، كأن يقول”أنت تعلم مدى اهتمامي بك”، قد ينسيك قوله هذا السبب وراء انزعاجك منه.

هناك أسلوب آخر للتجنب و هو من خلال اعتماد الضبابية و المراوغة التي تهدف إلى طمس الحقائق و جعلك مرتبكاً و زرع الشك فيك. خرجتُ ذات مرة مع رجلٍ ادعى بأننا لم نكن على وفاقٍ و السبب في ذلك أنني كنت دقيقاً و واضحاً أما هو فكان متستراً غير واضح، لقد شعر بعدم الارتياح عندما كنت أطرح عليه الأسئلة و من ثم أشير إلى التناقضات في أجوبته نصف الحقيقية، فقد أصبح أمره مكشوفاً. إنه لمن السهل أن تمنح شخصاً ما ميزة الشك و أن تقوم بإنكار نفسك عندما تكون ايجابياً و متفائلاً جدا بخصوص علاقتك به. تثق بهم عندما يكون لديك شكوك في نفسك.

يعد أسلوب “الإسقاط” من ضمن الأساليب التي يستخدمها المتلاعبون. الإسقاط هو عبارة عن دفاع الشخص المتلاعب عن نفسه من خلال اتهامه للآخرين بما يقوم هو بفعله. يعتقد المتلاعبون أن أفضل وسلة للدفاع هي الهجوم، يُوجِّه لك اللوم و يضعك في موقف دفاعي مما يجعلك تشعر بالذنب أو العار بينما يُبقي نفسه بريئاً و حراً للمضي قدماً في فعل ما يحلو له.

عادةً ما يلوم المسيئون ضحاياهم أو أي شخص آخر. كن حذراً من اعتذار ليس هو بالحقيقة إلا نوع من أنواع التلاعب. عادة ما يُلقي المدمنون باللوم على على الآخرين، يلومون رئيسهم بالعمل الذي هم مدمنون عليه أو يلومون شريكهم “المزعج” في العلاقة التي هم مدمنون عليها. يُلقي المجرم المدان و الذي ليس لديه ما يدافع عن نفسه به باللوم على الشرطة و أساليبها في جمع الأدلة. اعتاد الأشخاص المسيئون على مهاجمة سمعة ضحاياهم.

قدمت ذات مرة النصح لزوجين متورطين في قضية عنف منزلي، حيث كان يُلقي الزوج باللوم على زوجته في عنفه تجاهها. قلت له” أنا مندهش من أن زوجتك تتمتع بهذا الكم من السلطة عليك”،ذُهل عندما سمع ذلك لأن كل ما كان يُخطط له هو أن يفرض سيطرته على زوجته.

يضعك الشعور بالذنب أو العار تحت الأضواء، مما يجعلك تشعر بالضعف بينما يشعر المعتدي بالتفوق عليك. يتظاهر المتلاعبون بالشعور بالذنب قائلين” هذا بعد كل ما فعلته من أجلك”، يقترن قولهم هذا عادة باتهامك بأنك أناني و جاحد.

يكون وقع الشعور بالعار عليك أقسى من وقع الشعور بالذنب، حيث يُشعرك العار بأنك غير لائق و لا ينتقد تصرفاتك أو سلوكك فحسب، بل إنه يحط من قدرك كشخص. تعد المقارنة شكلاً من أشكال العار، و إنه لمن المؤذي أن يقارن الأهل أطفالهم ببعضهم البعض أو بالآخرين. يقارن بعض الأزواج أزواجهم بأصدقائهم السابقين بهدف أن يشعرونهم بالدونية بينما يشعرون هم بأنهم أعلى منهم قدراً.

قد يشمل الشعور بالعار و الذنب أيضاً “إلقاء اللوم على الضحية”. لنعطي مثالاً على ذلك، تجد دليلاً واضحاً في هاتف شريكك يفيد بأنه يتلقى مغازلةً من أحد ما، فيُبدي شريكك غضباً شديداً بحجة أنك قد بحثت في هاتفه الشخصي، و بهذه الحالة يكون التركيز قد تحول إليك أنت. يُلقي باللوم عليك فيُجنِّب نفسه المواجهة فيما يخص المغازلة التي تلقاها، و قد يصل به الحال إلى الكذب و التقليل من أهمية الموضوع أو حتى الالتفاف حوله بالكامل، فتصبح أنت الضحية الحقيقية و تشعر بالذنب لأنك قد تجسست على هاتفه و تكظم شعور الغضب المبرر لديك بشأن تعرضه للمغازلة و تسمح لهذا الأمر بأن يستمر دون أن تضع له حد.

الترهيب

لا يتمثل الترهيب دوماً بالتهديدات المباشرة، بل يمكن أن يتمثل بنظرة ما، أو بالتحدث بنبرة صوت معينة، أو قول عبارات من مثل:”دائماً ما أمضي في طريقي”، “لا يوجد أحد لا يمكن الاستغناء عنه”، “لدي أصدقاءٌ رفيعي المستوى”، “لم تعد شاباً بما فيه الكفاية”، أو مثلاً “هل وضعت بعين الاعتبار النتائج المترتبة على اتخاذك هذا القرار؟”. كما هناك أسلوب آخر للترهيب و هو عبارةٌ عن سرد قصة تهدف إلى إثارة الخوف، مثل”لقد تخلَّت عن زوجها، خسرَتْ أطفالها و عائلتها و كل ما في حياتها”، “أنا أقاتل من أجل الفوز، كدت أن أقضي على أحدهم ذات مرة في سبيل ذلك.”

لعب دور الضحية

يُعد هذا تكتيكاً مختلفاً عن لوم الضحية ، فبدلاً من إلقاء اللوم عليك، يستخدمون تكتيك”الشخص المسكين” مما يثير شعورك بالذنب تجاههم و يدفعك للتعاطف معهم، و من ثم فعل ما يريدون. تجدهم يقولون “لا أعرف ما الذي سأقوم به لو لم تقم بمساعدتي”، “أنت لست مهتماً بشأني”، “لماذا تعاملني بهذه الطريقة”، “لا أحد يساندني”. كما أنه قد يهددك البعض من المشوهين نفسياً بالانتحار في حال أنك تخليت عنهم. يجب أن تعلم أن استجابتك و امتثالك لهم يولد لديك الاستياء و يدمر علاقتك بهم، و يحفزهم على الاستمرار باستخدام مثل هذه الأساليب التلاعبية. إن الشعور بالذنب تجاه سلوك شخص آخر أو تجاه مأزق هو واقع فيه هو شعور غير منطقي.

بالختام

تعد هذه التكتيكات التلاعبية مدمرة للضحية، التي بإمكانها أن تسامح، لكن لا يجب أن تنسى. غالباً ما تستمر هذه الأساليب التلاعبية و قد تسبب لك بمرور الوقت الشعور بالألم و قد تُلحق الضرر بقيمتك الذاتية. أول شيء عليك فعله هو امتلاك الوعي، و قد تحتاج المساعدة لرؤية الأمور بوضوح و بما هي عليه. دوِّن بعض المحادثات التي قد أجريتها مؤخراً و حاول أن تحدد أين قد تعرضت لإساءة المعاملة، و أن تحدد كل التكتيكات التي تم استخدامها ضدك.

قد يعجبك ايضا
فتح الدردشة
1
💬 تحتاج الى مساعدة ؟
مرحبا بك في مركز ولبينق👋
كيف يمكننا مساعدتك ؟