عندما قمت بالدخول الى هذا المقال، ربما كنت تقول في نفسك” أعتقد أنني أعرف ما هي الأنا، لكن لنرى ما يقوله هذا. ” إن هذا هو المكان المناسب للبدء بالتعرف على ماهية الأنا.
مفهوم الأنا في علم النفس:
كما يقول مارك ليري في مقالة له تتحدث عن مفهوم الأنا، فإن المعنى الأساسي لتعبير الأنا هو أنه يشير إلى الذات القادرة على اتخاذ القرارات، كما أن هناك تعريف آخر للأنا يتعلق بالأنانية و التمحور حول الذات. حصلنا على مصطلح “النرجسية” من الأسطورة اليونانية “نرجس” الذي كان واقعاً في حب انعكاسه الذاتي. سنصف النرجسيين أحياناً على أنهم يملكون أنا “عظيمة”.
الأنا بين الذات والتحفيز:
كما يرد في هذا الموجز المختصر، تتكون الأنا من جزآن مترابطان. أحد هذه الأجزاء هو الذي يمكِّن وعي الفرد بانعكاسه الذاتي و مقدرته على تبرير أفعاله أمام نفسه و أمام الآخرين، لذلك يتعلق الأمر بمفهوم الشخص، حيث يعرِّف بعض العلماء الشخص على أنه كيان بإمكانه أن يرى انعكاس ذاته و أن يحاسب نفسه على أفعاله، و من الواضح أن هذه المقدرة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالجزء المعرفي من الأنا.
لكن، و كما يوحي مفهوم الغرور، يوجد أيضاً جزء تحفيزي من الأنا. لنعطي مثالاً على ذلك، تخيل أنه يوجد رجل نرجسي إلى حد ما في حانة، يحاول هذا الرجل التقرب من امرأة ما لكنه يتعرض للرفض فيعود إلى أصدقاءه ليسألوه كيف جرى الأمر فيقول” إنها واقعة في حبي، لكنها إلى الآن تكابر على ذلك.” إن روي الأحداث بهذه الطريقة هو عبارة عن محاولة لإعادة تأطيرها بحيث يحافظ الشخص على اعتقاده بأنه جذاب و مرغوب به، حتى و لو تم رفضه. من المحتمل أن يدرك أصدقاءه حقيقة الأمر و أن يستفزونه بقولهم أنهم يتمنون أن يكون ذاك هو ما حدث. يلعب أصدقاء الشخص الصالحون دوراً هاماً في إبقاء الأنا الخاصة به تحت السيطرة.
كيف تتحكم الأنا في سلوك الإنسان؟
يقول عالم النفس الاجتماعي المعروف (إيليوت أرونسون) أن هذه القوة المحفِّزة على تبرير الذات تلعب دوراً أساسياً في حياتنا. يستشهد بعدد كبير من الأدبيات المتعلقة بمعرفة و إدراك الأمور بشكل خاطئ كتوضيح على بدء القوى التحفيزية بعملها حالما تبدأ الأنا بخلق الدفاعات.
ما المقصود بدفاع الأنا؟ يقول (آرونسون) أن الأنا تحاول أن تحافظ على مكان مخصص لها حيث تلقى فيه الثبات و الاستقرار و التبريرات المناسبة لها. يسرد (آرونسون) و شريكته في التأليف (كارول تارفيس) في كتابهما الرائع” تم اقتراف الأخطاء، لكن ليس من قبلي” الطرق العديدة و المتنوعة في كيفية عمل الأنا على تبرير الذات و إثبات مكانة الشخص في العالم الاجتماعي، حيث طرحوا أمثلةً عن السياسيين و المحامين و عن كيفية تورط الأشخاص يوميا في محاولة تبرير ما فعلوه، لماذا فعلوه و لماذا لم يكن من الواجب لومهم على فعله.
و من المثير للاهتمام أنهم يتحدثون عن كيف يمكن لتبرير الذات أن يفسر كلا من ميول النرجسيين لتعظيم و تعزيز الذات من جهة، و ميل البعض الآخر إلى الإنقاص من احترام الذات من جهة أخرى. يتعلق السبب في ذلك بحقيقة أن الهدف أيضا من التبرير الذاتي هو الحفاظ على رؤية مستقرة و مبررة لذات الفرد و مكانته في العالم الاجتماعي، لذلك فإن الأشخاص الذين يقللون من تقدير أنفسهم تراهم يبحثون عن دلائل و إثباتات للحفاظ على صحة ما يقولون. إنه تماماً كأن يحط الأشخاص من قدر أنفسهم لأن ذلك يبرر لهم عدم الدخول في صراعات مع الآخرين و يجنبهم تحمل المسؤولية.
كيف تطورت الأنا؟
ما هو مصدر كل من الأنا و قدراتها على عكس الذات و ميولها إلى تبرير الذات؟ بصياغة أخرى، لماذا قد تطورت الأنا؟ إن هذه واحدة من الأفكار الرئيسية التي قدمتها نظرية المعرفة الموحدة. بالأخذ بهذه النظرية، فإن الأنا الخاصة بالشخص تمثل “العضو العقلي الذي يقوم بعملية التبرير.” قد يبدو هذا غريباً نوعاً ما، لذا دعني أشرحه جيداً: إن المقصود بالأعضاء العقلية هو الأنظمة المختلفة التي تشكل جميعها العقل و كل ما يمكنه فعله. على سبيل المثال، يمكن النظر إلى نظام الرؤية لديك المتواجد في الفص القفوي من الدماغ على أنه “نظام عضوي عقلي” و الذي تم تصميمه كي يستقبل الضوء و يترجمه إلى صور مرئية تمكن الشخص من توجيه نشاطه لأماكن محددة.
و على هذا المنوال، فيمكن اعتبار الأنا أحد الأعضاء العقلية لدى البشر. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما الذي قد تطورت الأنا لتقوم به؟ إن إحدى طرق الإجابة على هذا السؤال هي باعتبارها الشيء الذي يسمح لك بالإجابة على الأسئلة المطروحة عليك من قبل الآخرين. لنتأمل هذه الحقيقة الرائعة: البشر هم الكائنات الوحيدة التي لطالما عُرف عنها أنها تطرح الأسئلة. إنه لمدهش للغاية أن نتأمل الكم الهائل من الأسئلة التي تخيم على حياة الإنسان و كيفية الإجابة عنها. تلعب الأسئلة دوراً هاماً و رئيسياً في حياتنا كبشر.
و لكن، من أين أتت الأسئلة؟ يمكننا التعرف إلى الأسئلة على أنها “مساحة سلبية” تنشأ عن تقديم اقتراح معين. يُقصد بالاقتراح أنه عبارةٌ ما بلغةٍ ما تحمل معنىً ما. لذا فعند قولي “إن هذا التوت صالحٌ للأكل” أكون قد قدمت عبارةً اقتراحيةً تحمل معنىً. تخيل هذا الاقتراح على أنه مساحة إيجابية و تخيل الآن المساحة السلبية المحيطة به بما تحتويه من احتمالات أخرى، على سبيل المثال، ربما ليس هذا توت، بل هي كريات حمراء صغيرة، أو ربما هو توتٌ سام و ليس صالحاً للأكل، أو حتى يمكن أن ينتبه الشخص لشيء آخر كليا كأن يفضل الاهتمام بالزهور بدلاً من التوت. تمثل هذه الأمثلة مساحة سلبية تحيط بالمساحة الايجابية المتمثلة بالعبارة الاقتراحية السابقة.
بهذا النمط من التفكير، يصبح بإمكاننا إعادة هيكلة المقترح على أنه “إجابة” . أي عند الإدلاء بمقترح ما فإننا نقول ضمنياً “أدر انتباهك لهذا الأمر و انظر فيه” . التفكير في المقترح على أنه إجابة يسمح لنا بأن نربطه مع أسئلة. إن الأسئلة هي الأدوات المعرفية التي تسمح لنا بتحديد نطاق المساحة السلبية المحيطة بالمساحة الإيجابية التي تمثل المقترح أو ال”إجابة”. لنستخدم مثالاً على ذلك من مجال البناء حيث سنعتبر أن الاقتراح يتمثل في حائط من الآجر و أنه بإمكان الأسئلة أن تجعل هذا الحائط مزعزعاً و غير مستقر، و من ثم سنطرح التساؤل التالي: ما الذي يجب علينا فعله لتثبيت الاقتراح؟ فيكون الجواب هو أنه بشكل مماثل لحائط الآجر، فيجب علينا أن نمتلك نظاماً يقوم بدعمه.
وظيفة الأنا الدفاعية:
نسمي النظام الذي يقوم بدعم المقترحات ب”نظام التبرير” و الذي يأطِّر سياق كل من المقترحات و الأسئلة المقترنة بها. يمكن أن تكون التبريرات صريحة وجلية، و هذا عند الرد على سؤال مباشر، على سبيل المثال، لو سأل شخص ما عما إذا كان هذا بالفعلِ توت، يمكن أن يقدم أحدهم تبريراً صريحاً قائلاً “يمكنني إثبات أن هذا توت، انظر، قم بقطعها و فتحها و انظر لها.” أياً يكن، غالباً ما يعمل نظام التبرير الذي يقوم بدعم المقترحات بشكل ضمني و يعتبر بشكل عام أمرا بديهياً. نجد هذا في كتاب “…..” ل جرايس، فكما أوضح، نفترض بشكل ضمني أن المحادثة مع شخص ما مبنية على قواعد معينة كأن تكون غنياً بالمعلومات، صادقاً و واضحاً. لو تم الإخلال بهذه القواعد التي نفترضها بشكل ضمني فمن المحتمل أن يتم استجواب المتحدث بشكل صريح، و سيتعرض للمحاسبة إذا لم يقدم تبريرا مناسباً. (ملاحظة: هذا بفرض أن الشخص الذي قد يقوم بالاستجواب يمتلك القوة لفعل ذلك).
كيف تطورت الأنا كجزء من النظام العقلي البشري؟
المغزى مما سبق أنه قد يتعرض الشخص الذي يقدم اقتراحاً معيناً للمساءلة، فيكون عندها بحاجةٍ إلى نظام تبرير يقوم بدعمه. لهذا دلالة هامة جداً عن البشر، حيث يمكن القول بأن البشر يعيشون على مفهوم أن ثقافة الشخص أو وفرة معلوماته هي التي تحدد مستواه في الوجود. هذا هو السياق الذي يأطر و يقيد أفعال البشر، و الذي أطلقت عليه نظرية المعرفة الموحدة اسم “سياق التبرير” تمعن في هذا، يمكننا أن ننظر إلى أفعال و أقوال شخص ما على أنها مساحة إيجابية قد يتحداها أو يواجهها الآخرون بالأسئلة، لذلك يتوجب على الشخص أن يكون قادراً على دعم أفعاله و أقواله بنظام تبرير.
يضعنا هذا في دائرة متكاملة، و يعود بنا لفهم ماهية الأنا. الأنا هي نظام التبرير الخاص بك، الذي يعمل على تفسير و شرح أفعالك على شكل تبرير. بصياغة أخرى، يمكننا النظر إلى الأنا على أنها عضو عقلي مهمته التأكد من أنك في حالةٍ وجوديةٍ مبررة.