يعاني بعض الأشخاص من ردود فعل شديدة الحساسية تجاه التعرض للرفض.
الأفكار الرئيسية:
-يعتبر كل من الخسارة و الرفض من الأمور المتأصلة في الوجود البشري.
-قد تؤثر تجارب التعرض للرفض التي مر بها الشخص بالفترة المبكرة من حياته في زيادة حساسيته تجاه الرفض.
-تشمل الاستراتيجيات التي يتم التعامل بها مع الرفض البحث عن الدعم، التعاطف مع الذات، و تحديد الأساسيات في حياة الفرد.
لا تتألق ضمن فريق الهوكي التابع لمدرستك، يتخلى شريكك عنك، ترفضك الجامعة التي عملت جاهداً للالتحاق بها، لا تستطيع القيام بصفقة لنشر كتابك الذي عملت على كتابته لسنوات، يهجر طفلك المنزل. لماذا تكون هذه الأشكال من الخسارة و التي تحدث على مر حياتنا مؤلمةً للغاية؟
يصف أدب التحليل النفسي أي نوع من الخسارة أنها ضربة موجهة للأنا، مما يسبب للشخص المتضرر أذية نرجسية، و المقصود بالأذية النرجسية أنها خلل في الذات يقلل من تقدير الشخص لذاته و يمكن أن يؤدي إلى مجموعة من المشاعر، منها مشاعر العار و الذل و الغضب.
يحدث هذا لأننا جميعاً نتمنى بشكلٍ لا واعٍ أن نعيش في عالم حيث فيه لا ينفصل الناس عن بعضهم البعض، لا يخيب أمل أحدهم بالآخر و لا يهجر أحدهم الآخر. لكننا نتعلم في فترة مبكرة من حياتنا أننا منفصلون عن الآخرين، و أن الآخرين عادةً ما لا يلبون احتياجاتنا و أمانينا، و أنه يمكن أن يغادر الأشخاص الذين نهتم و نعتني بهم الحياة. لذا فإن الخسارة و الحياة يجمعهما رابط بحيث لا يمكن فصلهُنَّ عن بعضهِنَّ. كما أن الأذية النرجسية متأصلة في الوجود البشري.
أيا يكن، تتفاوت ردود أفعال الأشخاص تجاه التعرض للأذية النرجسية فيما بينهم بشكل كبير. قد يشعر البعض بالعجز و البأس، و الخجل و الذل، قد يشعر آخرون بالغضب أو يقومون بلوم أنفسهم على خسارتهم. قد يشعر البعض بخيبة أمل معقولة، بينما يشعر آخرون بالدمار الداخلي. يتجاوز البعض الرفض الذي تعرضوا له بسرعة كبيرة، بينما يقبع آخرون في الشعور بالأذى و الظلم بشكل دائم. تمثل تجربة الآنسة “هافيشام” في “التوقعات العظيمة” لِ”تشارلز ديكنز” مثال على ذلك، حيث قامت بإيقاف جميع الساعات في منزلها في نفس اللحظة التي هجرها فيها خطيبها . كيف تكون ردة فعلك أنت؟
تم تطوير كمية هائلة من الأبحاث التي تدور حول مفهوم “الحساسية تجاه الرفض” في علم النفس الاجتماعي، تم تعريف هذا المفهوم بأنه “الميل إلى توقع أن الأمور لن تكون على ما يرام، التسرع في فهم و إدراك الأمور و المبالغة في رد الفعل تجاه الرفض”. يتعرض الأشخاص الذين يعانون من حساسية عالية تجاه الرفض إلى ضغط نفسي أكبر مقارنة بغيرهم عندما يتم رفضهم و قد يسيئون تفسير ردود أفعال الآخرين بسبب حساسيتهم المفرطة. إذا لم يقم صديق ما بالرد على الرسائل النصية على الفور، فقد يشعر الشخص الذي يعاني من فرط الحساسية بأن الطرف الآخر لم يعد يرغب به كصديق، بينما قد يفترض شخص ما له حساسية أقل تجاه الرفض بأن الطرف الآخر مشغول حاليا بشيءٍ ما.
يُعتقد بأن تجارب الرفض التي يتعرض لها الفرد في الفترة المبكرة من حياته من قبل والديه لها تأثير قوي في زيادة حساسيته تجاه الرفض. يُمكن اعتبار الوالدَين الناقدَين، غير المتاحَين عاطفياً، العنيفَين و الصارمَين كشكلٍ من أشكال الرفض بالنسبة للأطفال.تُبنى لدى الأطفال عقليات و أنماط تفكير تشعرهم بالأمان تجاه أنفسهم و علاقاتهم مع الآخرين إذا ما تمت تلبية احتياجاتهم بشكل لطيف و على الدوام. على النقيض، فعندما يكون الأهل متبلدي المشاعر تجاه أطفالهم و معارضين لهم، تتطور لدى الأطفال عقليات تشعرهم بعدم الأمان و تُولِّد لديهم الشكوك عما إذا كانوا سيحظون بالدعم أم لا. لذا فإن ترعرُع الفرد في بيئةٍ رافضةٍ يطور لديه مشاعر الخوف من الرفض في العديد من العلاقات و المواقف.
قد يكون الشخص الذي يشعر بالقلق أثناء إجراء مكالمة هاتفية مثال جيد عما سبق، يشعر بالخوف من أن الشخص الآخر يظنه غير مهتم و من أنه على وشك إنهاء المكالمة، فيقوم هو بنفسه بإنهاء المكالمة كي يتجنب التعرض للرفض.
إن هذه التجارب شائعة الحدوث، يميل أصحابها إلى استحضار الخسائر السابقة عند مواجهة أي خسارة أو رفض. كتبت الكاتبة ميشيل روبرتس “المقدرة السلبية”، يومياتها عن البقاء على قيد الحياة بعدما رفض الناشر الذي تتعامل معه نشر أحدث رواياتها. كان الرفض الذي شعرت به فاجعاً، لذا كانت كتاباتها مرتبطة بما تمر به و تعبر عما هي عليه. استحضر ذلك الرفض تجارب رفض أخرى تعرضت لها في الماضي، مثل عودة شريكها إلى زوجته السابقة، و ردة فعل والدتها الباردة و غير الحماسية تجاه مؤلفات و كتب ابنتها.
تُظهر دراسات في الأوساط الأكاديمية و التجارية قد تم نشرها أن الأشخاص الذين قد تعرضوا للرفض يترددون في المحاولة مرة أخرى. علّق أحد المساهمين في دراسة استقصائية للكاتبات النساء ب:”ترتبط كتاباتي بشكل قوي مع إحساسي الذاتي بنفسي، لدرجة أن إحساسي بالرفض يصيبني في الصميمِ و يتركني عاجزا أمام الرغبة في الاستمرار”. ينطبق هذا على أي نوع من الرفض، كالرفض في العلاقات مثلاً. فكر في مدى حساسيتك تجاه الرفض من خلال استذكار خسارة ما أو رفض تعرضت له مؤخرا، كيف كان شعورك تجاه ذلك؟ هل كانت المشاعر المتولدة عن ذلك الرفض مشابهة للمشاعر التي أثارتها مواقف الرفض الأخرى في حياتك؟
إذا كنت مثلي، مفرط الحساسية تجاه الرفض، فلم نفقد كل شيء بعد! عندما توفي زوجي دون سابق إنذار، تاركاً إياي مع ثلاثة أطفال مراهقين، تعاملت مع موته على أنه رفض جسيم-لقد وعدني أنه لن يتركني أبدا، ثم قام بتركي بأكثر الطرق افجاعاً. كما يقول المحلل النفسي جيمس فروش: يمثل الموت أشد و أقسى أذية نرجسية، و من ثم تتبعه فترة طويلة مليئة بالمتاعب و الفوضى و الشعور بالوحدة الناتج عن محاولة التكيف مع نمط حياة مختلف جدا عن السابق.
أيا يكن، علمتني تجربتي و تجارب الأشخاص الموجوعين الآخرين أنه من الممكن التحكم بمشاعر الخسارة و الرفض بحيث يصبح تأثيرهم أقل تدميراً في النفس. إن أهم الاستراتيجيات للتأقلم مع هذه المشاعر بشكل أفضل هي إيجاد الدعم، الحفاظ على الأساسيات في الحياة، إظهار التعاطف و اللطف تجاه النفس، و بالنسبة للكثيرين، ممارسة الأنشطة البدنية.
لا يزال هناك المزيد من الخسارة و الرفض لتتم مواجهتهم، حيث أن العلاقات سوف تنتهي، الناس سيرحلون عن الحياة، و ما إلى ذلك. هذه أشياء لا مفر منها، و يجب أن نحضِّر أنفسنا لمواجهتها بأفضل طريقة ممكنة. لنقتبس من الكاتب جيمس فروش مرة أخرى: “يجب على الأشخاص الذين قد تعرضوا لأذية نرجسية أن يتقبلوا حقيقة أن بعض الرغبات، مهما كانت منطقية و معقولة، لن يتم تحقيقها، و أنهم بحاجة إلى التخلي عنها، و أن التخلي عن مثل هذه الرغبات هو في الواقع أمر محزن و مؤسف”.