كيف نترك أنفسنا عرضةً للاستغلال؟

No Comments

كيف نترك أنفسنا عرضةً للاستغلال؟

قمت مؤخراً بمراجعة بحث يتحدث عن كيفية تعامل الأشخاص مع مشاكلهم الداخلية الشخصية. لا يهدف هذا البحث إلى النظر في كيفية تصرف الأشخاص عندما تسير علاقاتهم كما هو متوقع أو مخطط لها، بل كيف يكون سلوكهم عندما يكون الوضع مقلقاً أو مضطرباً. لا يكون سلوك الأشخاص في هذه الحالات جيداً و دوماً، فقد يكون مبنياً أحياناً على التعلق غير الآمن بالطرف الآخر ( و المقصود بالتعلق غير الآمن هو أن نتعلق بشخص غير مفيد لنا لمجرد أننا نخشى الانفصال عنه و الشعور بأننا نعاني من عيب ما، لا بل نفضل أن نبقى جزءً من العلاقة مهما كانت صفات و سلوكيات الطرف الآخر في هذه العلاقة) أو بعض الطباع و السمات الشخصية الإشكالية.

قد ألمت ثلاثة مظاهر بالأساليب و الاستراتيجيات التي يستخدمها الناس في التعامل مع المواقف الاجتماعية المعقدة و الصعبة:

المظهر الأول: المرونة و التكيف

المظهر الثاني: الخضوع و القبول بالتعرض للاستغلال

المظهر الثالث: التجنب و العدوانية

بالنسبة لكثيرين، يعد مظهر الخضوع و القبول بالتعرض للاستغلال أكثر ما يوضح حقيقة ما يجري معهم. يكون من الأسهل علينا، عندما نتعرض للاستغلال، أن نركز على الطرف الآخر بدلاً من أن نركز على سلوكنا الأقل أهمية في نظرنا. و إذا قمنا بالتركيز على أنفسنا فإننا سننهال عليها بالنقد و الإنقاص منها بما يتوازى مع الهجمات العدائية التي يقوم بها الطرف الآخر، و التي قد يغلفها بغلاف من الحب .

ليس هدفنا هنا أن نلقي باللوم على الضحية، بل أن نمضي قدماً في تغيير أنفسنا اعتماداً على معلومات قابلة للتنفيذ نتحصَّلُ عليها من خلال معرفتنا بذواتنا جيداً.

1-تقبل الخضوع و التعرض للاستغلال لأنها من أجل العيش. يعد طبع الفرد مكوناً وراثياً مهماً فيه و يساهم في تحديد كيفية تعامله مع  المشاكل التي يتعرض لها في مختلف علاقاته، إلا أن القوى التنموية و الصفات المكتسبة تلعب الدور الأكبر في ذلك. تُظهر الأبحاث أن الأشخاص الذين قد عانوا من سوء المعاملة في فترة مبكرة من حياتهم هم أكثر عرضةً لها في المستقبل، و يُعزى ذلك إلى التشوهات التي تحصل في طريقة تصورهم لذواتهم و إدراكهم للآخرين.

تشكل أيضاً السلوكيات الذي يتعامل بها والدينا شخصيتنا في مرحلة البلوغ، كما تُعرِّض كل من الأبوة و الأمومة المتساهلة أو الصارمة الأطفال للمشاكل في علاقاتهم المختلفة. تظهر المشاكل و الصعوبات التي يمر بها الوالدين على شكل ردود أفعال معاديةً لتحديات الأبوة و الأمومة، و عاجزةً أمامها، مما يشعر الأطفال بأن هناك عيب ما جوهري في كيانهم، أو بأنهم يشكلون عبئاً على والديهم. ستؤدي هذه التجارب التي يمر بها الأطفال في المستقبل لصعوبة معرفتهم كيف و بمن يثقون، قد ينجذبون نحو خيارات مدمرة لهم، أو قد يحاولون تجنبها لكن دون جدوى، و ما إلى ذلك.

2-متى يجدي ذلك نفعاً و متى لا. قد يكون الإفراط في الاعتذار أو الاهتمام أو التكيف أو التقبل ناجحاً، لكن يجب أن يكون كل ذلك ضمن حدود معينة، أم لا؟ تبعاً لأسباب نفسية، يكون من المغري للشخص أن يخلط بين مفهوم التقبل و التكيف و مفهوم الخضوع و القبول بالتعرض للاستغلال : خاصة عندما لا يكون هناك تساوٍ بالقوة بين طرفي العلاقة و يكون أحدهم أقوى و متحكماً و استغلالياً، قد يعتقد الشخص الذي يقبل بالخضوع و التعرض للاستغلال بأنه يتصرف ب”لطف” بينما هو في الواقع يُعرض نفسه للخطر أكثر مما قد يعتقد.

3-إن النوايا غير مهمة. عندما نكون عرضةً للاستغلال، فإننا نميل إلى الانشغال بتحقيق العدل و المساواة. غالباً ما نصرف نظرنا عما نحن فعلاً بحاجة إليه، و الذي غالباً ما يكون نوعاً من الحماية الذاتية، أو قد نوجه جهودنا نحو تغيير و إصلاح الطرف الآخر بدلاً من أن نوجهها نحو تغيير شروط العلاقة أو حتى إنهائها أذا كانت غير قابلة للتغيير. إن الحالة الوحيدة التي تكون فيها النوايا مهمة هي عند تقدير حجم الضرر الذي قد يلحق بالطرف الآخر بمجرد إنهاء العلاقة.

قد تكون الرغبة في تغيُّر الطرف الآخر، و ميل الذات المدمر للاستمرار بالعلاقة،حتى و لو لم يكن هذا من الصحي، متجذرين في سلوك الفرد منذ الصغر و في علاقاته المختلفة في تلك الفترة. إن حثَّ أنفسنا على التفكير في نوايا الطرف الآخر، رغبتنا في تحقيق العدل و المساواة، تخيلنا للطرف الآخر بماهية أخرى مختلفة عما هو عليها، كلها مؤشرات على أن هناك خطباً ما في العلاقة التي تجمعنا بهذا الشخص.

4-غياب التنازلات المتبادلة. بحكم التعريف، يحدث الاستغلال عندما يأخذ شخص ما أكثر مما يعطي.غالباً ما نكون مدركين لهذه الحقيقة لكننا نقوم بإنكارها .قد تسعى إلى تلبية بعض الاحتياجات المرضيّة لديك-كرغبتك بأن تكون شخصاً “صالحاً”-من خلال الخضوع و التنازل و التبعية و ليس من منطلق الكرم و احترام الذات. إن إصرارنا منذ بداية العلاقة على توافر الاحترام المتبادل و المشاركة المتوازنة سيُظهر لنا بسرعة ما إذا كان الآخرون حقاً يهتمون بنا و يكنون لنا مشاعر الود أم لا.

5-إنهم يعملون وفقاً لقواعد مختلفة عن قواعدنا. عندما نترك أنفسنا عرضة للاستغلال، و عندما نكون خاضعين دون سبب وجيه لذلك، فإننا نمنح الآخرين “سلاح الشك” الذي قد يستخدمونه ضدنا. يبدو لنا أن ما نقوم به هو من قيمنا و سماتنا، إلّا أنه يلفت الانتباه و يضعنا تحت الأضواء في موضع شك. نستطيع أن نقنع أنفسنا بأننا نتصرف بشكل صائب-إلا أنه في النهاية قد نفوت حقيقة أن الطرف الآخر لا يشاركنا قيمنا هذه. قد يكون لديهم تشوهات في كيفية رؤيتهم لأنفسهم، التشوهات التي يفرضونها كأشخاص نرجسيين على الآخرين.

6-إن كونك خاضعاً و متاحاً للاستغلال هو كأن يُسلَّط عليك الضوء و تصبح تحت الأنظار، مما يُسهِّل كثيراً على الشخص المستغِل تحديد هذه العلامات و النجاح في خداعك و التلاعب بك، سواء فعَل ذلك بوعيٍ أو بغير وعي. عندما تجد نفسك تتسائل “هل أنا مكشوف و تحت الأنظار” فإنك غالباً ما تكون منخرطاً في علاقة غير صحية. خذ حذرك من شخصية “الثالوث المظلم”- غالباً ما يبدون أصحاب هذه الشخصية كرفقاء الروح أو شركاء العمل المثاليين، هذا لأنهم يقبعون في مناطقنا العاطفية العمياء. إن تعلم كيفية التغلب على ما بداخلنا و يجعلنا مكشوفين موضوعين تحت الأنظار يحمينا إلى حد ما من التكتيكات الخطيرة التي قد يستخدمها الآخرون ضدنا.

الانتقال إلى ضفةٍ أخرى

لا نرغب عادةً في إعارة الانتباه إلى هذه العوامل في أنفسنا، أو قد نشعر بالإرهاق عند التفكير بها، أو قد نلقي بالتركيز على الطرف الآخر. بإمكاننا أن نغير قواعد اللعب من خلال الاهتمام بأنفسنا و الاعتناء بها و أن نكون رحيمين عليها. يمكننا أن نستمد المساعدة من مصادر التطوير الشخصي بما تتضمنه من مواد في المساعدة الذاتية و مجموعاتٍ داعمة و خدمات مهنية. يعد الحصول على المساعدة التي نحتاجها أمراً بالغ الأهمية.

من الصعب علينا أن نكتشف بأننا قد نسهم عن غير وعي بجلب التعاسة لأنفسنا، غالباً ما نقوم بذلك من خلال نقد أنفسنا مراراً و تكراراً و شعورنا بالألم العاطفي و شعورنا بالذنب و مخاوف أخرى لا تُعد و لا تُحصى.

يجب أن نتعامل مع هذه المخاوف من خلال الحصول على الثقافة و الإلمام بالمعرفة، الحد من السلوكيات المدمرة للذات قدر الإمكان، إدارة العواطف، بناء القدرة على التفكُّر الذاتي، النظر إلى الأمور بمجملها و رؤيتها على المدى البعيد. إن القول أسهل من الفعل، لكنَّ السعي و بذل الجهد في سبيل ذلك يؤتيان ثمارهما.

يعد انتقال الشخص إلى  سلوك مرن قابل للتكيف مبنيٍّ على تعلق آمن بدلاً من التعلق غير الآمن جزءً من الحل. إن مراعاة اختياراتنا الشخصية و أخذها بعين الاعتبار، البقاء مع الأشخاص بنهج مرن قابل للتكيف مبنيٍّ على تعلق آمن،  التعامل بحذر مع أولئك الذين يتعاملون مع المشاكل الداخلية الشخصية بشكل مختلف عنا، تعدُّ وصفة رائعة لتحقيق رضاً أكبر في الحياة.

You may also like
Open Chat
1
💬 Need help?
Welcome to Wellbeing Center👋
How can we help you?