الخسارة غير الملحوظة: انقطاع الصلة مع الذات و مع الآخرين

No Comments

الخسارة غير الملحوظة: انقطاع الصلة مع الذات و مع الآخرين

-لا نحصل دوماً عندما نتعرض لخسارات فادحة كفقدان وظيفة عمل مهمة أو انهيار علاقة تجمعنا بشخص آخر مهم لنا على نفس المقدار من الدعم الذي نحصل عليه عندما نتعرض لنوع آخر من الخسائر كفقدان أحد أفراد الأسرة مثلاً. عندما يتوفى أحد من الأسرة، فمن المحتمل جداً أن يتواصل معك أصدقائك من خلال إرسال الرسائل، أو إجراء المكالمات، أو إرسال الزهور، أو جمع التبرعات الخيرية و تقديمها، ليُظهِروا مدى تقديرهم لك و للشخص المتوفي. تذكرك تلك الأفعال التي تشعرك بالراحة أثناء فترة حزنك على الشخص المتوفي بأنك على صلة بالآخرين و بأنهم يشعرون بك و يقدرون قيمتك، و لكن قد لا نجد ردود الأفعال تلك عند التعرض لخسارة عملٍ ما أو انهيار علاقة مع أحدٍ ما في حياتنا.

-لو كنتَ تعتقد أنه يجب عليك أن تتجاوز تلك الخسارة و أن تمضي قدماً في طريقك، فقد تتفاجأ من أن مشاعر الخيبة و الحزن تلك قد تعاود الظهور في وقت لاحق من حياتك. تؤثر الخسارات المتعلقة بوظائف العمل و العلاقات مع الآخرين بشدة في علاقتك مع ذاتك و مع المجتمع. عندما تجد نفسك تطرح التساؤل التالي “من أنا بالتحديد؟”، فتأكد أنك بحاجة لأن تستعيد ثباتك و تقديرك لذاتك (أي أن تعرف هويتك و كيانك جيداً) و هو الأمر الذي يمكِّنك من التواصل مع نفسك و مع الآخرين. تعد القدرة على التواصل مع الآخرين أحد مكونات الصحة النفسية، و قد يهزك انقطاع التواصل مع نفسك أو مع الآخرين أو خسارة وظيفة عمل ما أو انهيار علاقة ما في حياتك بشدة.

كيف تؤثر هذه الخسائر عليك

+بالنسبة للخسارات المتعلقة بالعمل:
-يحمل العديد من الناس هوية كشخص يعمل و يكفي ذاته و يروا أن هذا الأمر هو من يحدد قيمتهم الذاتية. لو كنتَ قد خسرتَ وظيفتك خلال فترة جائحة فايروس كورونا، فقد كان للأمر تأثير خاص عليك، لأنك تعرضت لهذا الأمر بشكل مفاجئ دون أي استعداد لمواجهته، وكذلك الآخرين المحيطين بك، فهم لم يكونوا على استعداد ليواسوك و يقدموا لك الدعم الذي تحتاجه، أو يكوِّنوا شبكة من التواصل معك حتى لا يُشعروك بالانعزال و انقطاع التواصل. حتى ولو أنك الآن قد حصلتَ على وظيفة جديدة، أو أنك لم تعاني من خسائر مالية فادحة جراء فقدان تلك الوظيفة، فقد تضاءل احساسك بأهميتك (و المقصود بالأهمية هنا الفائدة التي تقدمها، المساهمة التي تقوم بها). لو أنك تشعر الآن بالخيبة و الإحباط أو بالشك بالنفس، فانظر فيما إذا كانت تراودك هذه المشاعر في نفس التوقيت من السنة التي تعرضت فيها لتلك الخسارة.

-فقدت (تيريل) وظيفتها بالكامل عند بداية الإغلاق العام نتيجة الجائحة الأخيرة، و قد قامت الشركة بتسريح كل موظفي القسم الذي كانت تعمل به، لذا أصبح التواصل مع الأصدقاء للحصول على الدعم و المواساة أمراً مستحيلاً، فكلهم عاطلون عن العمل. عانت الشبكة في تلك الفترة من ضغط هائل، و خاصة برامج التواصل كبرنامج “ZOOM”، مما سبب صعوبة التواصل حتى على برامج الانترنت نتيجة ذلك الضغط، الأمر الذي أشعر (تيريل) بالذعر و الوحدة، لكنها اعتقدت أن هذا الشعور سيختفي بمجرد أن تحصل على وظيفة أخرى، بالإضافة إلى ذلك، كان الوضع المادي ل(تيريل) و زوجها جيداً بما يكفي، فأخذت القرار بأن لا تكترث لأمر هذه الخسارة كثيراً، و بدفع أية مشاعر بالخيبة و الحزن بعيداً عن حياتها، و خاصة بعد أن تبادر إلى ذهنها أن غيرها من الأشخاص يعانون الآن بشكل أكبر بكثير مما هي تعاني. لكن، و في الذكرى السنوية لتلك الخسارة، اتضح ل(تيريل) أن الأمر لم يكن بتلك السهولة، و أنه كان أكثر أهمية مما هي ظنت.

-بينما تجاوزنا حالة الإغلاق العام جراء الجائحة و أتيحت الفرصة ل(تيريل) للحصول على وظيفة جديدة، انتابها شعور بالقلق و الحيرة بدا غير مرتبط بالعودة إلى العمل من جديد، بل كان بالفعل مرتبطاً بخسارتها لوظيفتها في نفس هذا التوقيت من السنة الماضية. كما تحدثنا سابقاً، فإن (تيريل) أصبحت تشعر بأن عملها هو من يحدد هويتها، و أنها عندما تفقد عملها فإنها تفقد هويتها و تشعر بالضياع، و بالتالي يقل احترامها و تقديرها لذاتها. لكن، و مع كل هذه المشاعر الفظيعة، لم تكن قادرة على مشاركة ما تمر به مع أي أحد من محيطها و زملائها، فقد كان الجميع عاطلاً عن العمل أيضاً. لقد أدركت (تيريل) أن الإحساس بانقطاع التواصل مع ذاتها و مع الآخرين الذين من الممكن أن يقدموا الدعم لها في هذه المحنة في ذات الوقت، هو كالاختفاء كلياً من هذا العالم. لقد كان شعوراً مرعباً للغاية.
أتاحت لها تلك التجربة الفرصة بالبدء في الفصل ما بين تقديرها و احترامها لذاتها عن العمل الذي تعمل به أو الإنجازات التي تحققها، و ربط هذا التقدير و الاحترام للذات بكيفية تصرفها في حياتها العامة بما يتوافق مع قيمها و مبادئها (أي أنها لو تصرفت وفقاً للمبادئ و القيم الخاصة بها، فإنها ستكون قادرة بكل سهولة أن تحترم و تقدر ذاتها، أما إذا لم تفعل ذلك، فإنها ستواجه مشكلة في احترام و تقدير و معرفة ذاتها).

يحدث أحياناً رد الفعل تجاه الذكرى المؤلمة التي تعود إلى وقت سابق خلال موقف تمر به، و ليس بالضرورة خلال وقت محدد من العام.

+بالنسبة للخسارات المتعلقة بعلاقات الصداقة:
-تعد العلاقات مع الآخرين منبعاً مهماً آخراً يزودنا بالثبات و الاستقرار، و يساعدنا على معرفة هويتنا و كياننا بشكل أفضل. عندما يخذلك أحد قد وثقتَ به (كأن يرفض الرد على مكالماتك أو رسائلك النصية، أو يحظرك من حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، أو أن يقطع صلته بك بأي طريقة أخرى) فإن الخسارة هنا لا تقتصر على الوقت الذي كان من الممكن أن تقضوه سوياً، و إنما تتعدى لتستهدف ثقتك بنفسك و تقديرك و احترامك لذاتك. لم تستطع(دانييلا)، و هي إحدى مرضاي، أن تفسر كيف كان الجميع يكمل في طريقه و في عمله بعد أن تم اقصائها هي من مجموعة خاصة للكتاب كانت هي أحد أعضائها. تعود هذه الحادثة التي تعرضت لها (دانييلا) إلى وقت بعيد عن بدء الإغلاق العام نتيجة انتشار جائحة كورونا، لكنها و مع بداية هذا الإغلاق، فقد شعرت بالفزع و القلق الشديدين، و مشاعر انقطاع التواصل المرعبة. أيقظت العزلة الاجتماعية التي فُرِضَتْ عليها الذكرى السنوية لاستبعادها من مجموعة الكتاب تلك، و فقدان علاقاتها المقربة مع زملائها في تلك المجموعة دون أي سبب واضح.

-كان بمقدورها عندما فكرت في السبب الذي أدى إلى اقصائها من المجموعة أن ترى كيف ترتبط مشاعرها تجاه الموقفَيْن المختلفَيْن ببعضها البعض. لقد علمت (دانييلا) في وقت لاحق أن صديقها المقرب في تلك المجموعة كان منجذباً و مغراً بشكل غير لائق بامرأة أخرى من نفس المجموعة، فظنت أنهم لم يقووا على إخبارها آنذاك و لجأوا إلى اقصائها من المجموعة، تاركين إياها تعاني من الشعور بالدمار الداخلي و عدم القدرة على فهم ذاتها. كان هذا مثالاً على تحفيز موقف ما للذكرى السنوية لخسارة تعرضنا لها في السابق.

استعادة الصلة مع الذات و مع الآخرين

+تؤدي استعادة صلتك بنفسك و بالآخرين إلى أفضل النتائج في حياتك.

-لقد توصلنا إلى فهم أعمق لشعور الانفصال عن الذات أو عن الأشخاص المهمين في الحياة. قد تشعر بالراحة الفورية بمجرد أن تدرك أن الشعور الشديد بالانعزال و عدم التواصل مع النفس أو مع الآخرين قد يكون متعلقاً بموقف سابق تعرضت له في حياتك.
أياً يكن، قد تساعدك هذه الأفكار و النصائح في التغلب على تلك المشاعر و تصحيح مسارك:
+عزز ثقتك بنفسك: عندما يسمح الأشخاص لخسارة وظيفة أو علاقة ما أن تؤثر بشكل كبير على كيانهم و أن تقلل من ثقتهم بأنفسهم، فإن ذلك سيؤدي إلى عدم تقديرهم و احترامهم لذاتهم. إن المعرفة الحقيقية الصحيحة للذات هي أن تعرف أنك ذو قيمة كما أنت، و أنك تمتلك من القيمة ما يمتلكه أي شخص آخر، مهما كانت الاختلافات فيما بينكم، و أن انجازاتك تُقاس فقط بالجهد الذي قد بذلته في سبيل تحقيقها، ولا تقاس بمعايير سطيحة أخرى.

-ينشأ و ينبثق احترام و تقدير الذات من العيش وفقاً للقيم و المبادئ، و التي يتم التعبير عنها من خلال الطباع و السمات الشخصية و التصرفات اليومية في الحياة العامة. على سبيل المثال: لو كنت تعتقد أنك يجب أن تكون لطيفاً في تعاملك مع الناس، و من ثم تعاملت مع أحدهم بأسلوب غير لطيف البتة، فإنك ستعاني من قلة تقديرك و احترامك لذاتك.
لو وجدت في وقت لاحق أنك أصبحت تواجه مشكلة في معرفة و فهم ذاتك، فعليك أن تبدأ بتعزيز و تحسين احترامك و تقديرك لها. جرب هذه الأمور:
1-اكتب لائحة تشمل 25 من الأشياء الإيجابية التي تجدها في نفسك، و التي قد تكون سمات شخصية (الصدق، الكرم، اللطف، الود، و ما إلى ذلك)، أو مواهب (رياضي، فنان، كاتب، موسيقي…إلخ)، أو إنجازات قد حققتها (مدير مبيعات ناجح، تعمل من أجل المجتمع، مدير أعمال ناجح، أو أب لثلاثة أطفال مثلاً-_- ) و ما إلى ذلك. لو واجهت أية مشكلة في تحديد تلك الأمور فعليك بطلب المساعدة من أي أحد تعلم أنه يهتم لأمرك من أجل أن يساعدك في كتابة تلك اللائحة. أضمن لك أن أي أحد يهتم لأمرك سيكون راغباً و مستعداً و قادراً على المساعدة.

2-كل يوم، و لمدة أسبوع على الأقل، قم بوضع إشارة بجانب البنود التي كتبتها في لائحة المشاكل و التي لاحظت أنها كانت ظاهرة و بارزة بطريقة ما في حياتك اليومية.

3-في نهاية الأسبوع، لاحظ ما إذا كنت تشعر بزيادة احترامك و تقديرك لذاتك. من المحتمل جداً أنك قد بدأت تشعر بوجود الصلة مع ذاتك.

-لو كنتَ قد عانيت من قلة التواصل مع نفسك أو مع الآخرين نتيجة اضطراب ما في العلاقة، فتذكر أن الشعور بأنك على تواصل مع نفسك و مع الآخرين هو أمر بالغ الأهمية لصحتك النفسية. هذه بعض الخطوات التي قد حان الأوان لاتخاذها في سبيل استعادة صلتك بالآخرين و بنفسك:

1-ابدأ بخطوة صغيرة…أرسل رسالة نصية، أو صورة، أو رسالة صوتية، بما يظهر بكل بساطة أنك تهتم لأمر هذا الشخص.
أعرفُ امرأةً تخلق لدى نفسها شعوراً بأنها على تواصل دائم مع الآخرين من خلال إرسال اقتباس مما تقرأه في يومها العادي لأي صديقة تتبادر إلى ذهنها عند القراءة. يُشعرها هذا الأمر بأنها على صلة مع الآخرين على الدوام ، و عادة ما تتلقى رسالةَ ردٍ بالتقدير لها و الثناء عليها، و بهذا يكون قد تحقق التواصل التفاعلي بين الأشخاص.

2-حدد مواعيد للالتقاء…لو قدمتَ اقتراحاً غير واضح المعالم، كأن تقول “يجب علينا أن نلتقي في وقت ما”، و توقعت بعدها أن ينشغل الطرف الآخر بهذا الأمر و من ثم يهرع إلى تحديد تاريخ و توقيت الموعد، فإنك تفوِّت على نفسك فعلياً فرصة إعادة التواصل و بناء الصلة مع هذا الشخص من جديد. قم بدلاً من تقديم ذلك الاقتراح المبهَم بتقديم دعوة محددة التاريخ و التوقيت و الأنشطة التي يتضمنها اللقاء، فعلى سبيل المثال، بإمكانك أن تقول “ما رأيك أن نلتقي الثلاثاء القادم في الرابعة ظهراً لنحتسي القهوة سوياً؟”

-يجدر بالذكر هنا أنه يجب أن تذهب جهود إعادة بناء التواصل بالدرجة الأولى إلى الأشخاص الذين تعلم جيدا أنهم يهتمون لأمرك، حتى ولو لم ترهم منذ فترة من الزمن. كما يجدر بالذكر أنه لم يتم تقديم المقترحات و الأفكار السابقة بهدف إعادة بناء التواصل في علاقة مقطوعة كلياً بين شخصين.

You may also like
Open Chat
1
💬 Need help?
Welcome to Wellbeing Center👋
How can we help you?